(1)
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لتتبعنّ سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) "1".. وقد انتشرت في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية –لا سيّما مصر - بشكل كبي رظاهرة جديدة تعرف بالإيمو مثلما كانت ظاهرة "عبادة الشيطان" التي ظهرت في بلادنا العربية والإسلامية وخاصة في مصر منذ سنوات، تعبيرًا عن موجات العولمة القادمة إلينا من الغرب عبر الفضائيات والإنترنت والصحف والمجلات الغربية، ومثلما كانت طقوس هذه العبادة الشيطانية مخيفة وغريبة نرى في نفس الوقت تدق الأجراس عما يمكن أن تتعرض له مجتمعاتنا من مشكلات مشابهة، فإن ظهور ظاهرة "الإيمو" في العالم العربي وخاصة مصر في الشهور الأخيرة يعيد دق الأجراس مرة أخرى؛ خوفًا على شبابنا ولكنها نذير شؤمٍ على الأمّة فماذا يُرتَجَى من أُمّةٍ ارتكس شبابها في أحضان الضياع والقنوط والاستتار في جحور الضبّ رغبة بما عند المفلسين؟! (2) ولِمَن لَم يسمع بهذه الظاهرة فالإيمو -كما يُروى- هي مجموعة من المراهقين الذين يستعيضون بالألم الجسدي على الألم النفسي فيُشرِطون أيديهم مثلاً ليتألموا جسدياً ويغلب هذا الوجع ألمهم النفسي! وعندهم نزعة إلى الانتحار نتيجة تضخيمهم للمشاكل وعيشهم مع ذكرياتهم الأليمة وحساسيّتهم المُفرطة.. ويتميّزون بدوام الحزن والإحباط والاكتئاب والخجل والتشاؤم والصمت والسلبية تجاه الحياة والعزلة إلا عن أقرانهم الإيمو.. (3) ومع انتشار هذا النمط وتطوره، تحول إلى دعوة مستقلة ونمط حياة للشباب تحت العشرين وظهرت كثيرا فى الجامعات وهو ما رأيته أخيراً فى جامعتى وهكذا يتم التوظيف الخاطئ للعاطفة بين هؤلاء الشباب الصغير؛ فتروج الدعوة إلى الشذوذ الجنسي، والإلحاد، والألم الجسدي، وإظهار العاطفة بشكل يخلو من الأخلاق، فيقوم هؤلاء الشباب بممارسات شاذة بحجة زائفة؛ وهي أن العاطفة قوة لا ينبغي أن نخجل منها ...كما يميلون إلى الكآبة والبكاء أمام الآخرين وينتحبون على الحب غير المتبادل ويكتبون الأشعار الحزينة ويشكون النبذ في مجتمعاتهم.. كما يؤمن الإيمو أنهم سيذهبون بعد الموت إلى “العرض الأسود” داعية إلى طقوس “الإنتحار عبادة”! وهكذا يرتدي مراهقو "الإيمو" في العادة ملابس قاتمة أو سوداء، وسراويل ضيقة جدًّا أو فضفاضة جدًّا، وتحمل هذه الملابس أحيانًا كلمات من أغاني الروك المشهورة، ويرتدون أيضًا أحزمة بقطع معدن، وأحذية سوداء وقديمة، ونظارات ذات أطراف عريضة سوداء، ويعلقون الأقراط ويرسمون الجماجم، ويفضلون الشعر الأسود الداكن جدًّا أو الأحمر، ويميل ذكور الإيمو إلى قلب شعرهم إلى الأمام، الأمر الذي يغطي تقريبًا نصف وجوههم، وتميل فتيات الإيمو إلى وضع الكحل بكثافة حول منطقة العينين، إضافة إلى وضع المساحيق الكثيفة والداكنة. (4) ومما لا شك فيه أنّ دوافع الشباب وخاصة المراهقين للانتساب إلى هذه المجموعات هو الفراغ –بأنواعه- بالدرجة الأولى.. الفراغ الروحي والإيماني وفراغ الوقت.. والبُعد عن الله جلّ وعلا.. فلا يمكن أن يكون في قلب إنسان ذرّة من إيمان ثم يلتجئ إلى هذه الفِرَق! فالإيمان يزرع الأمل في النفوس والطمأنينة والسكينة والارتباط بالله جل وعلا يورِث الراحة فيما كان وما هو آت..حتى عند الابتلاءات والمصائب والحرمان فإن المؤمن يعلم أن كل أمره خير ويرضى ويشكر ويدعو!
كما أنّ من أسباب الاندفاع وراء هذه الظاهرة هو الفقر وتجارب الفشل في الدراسة أو العمل أو الحياة الاجتماعية.. والتفكك الأسري والتخبّط النفسي والغزو الفكري وحب التقليد الأعمى وافتقاد الهوية والهدف والهزيمة النفسية ما يولِّد الانجرار وراء كل ما هو غربي.. وقد يكون السبب هو مجرد إثبات الذات ولفت الانتباه والظهور بشكل مختلف ليصرخ المراهق “إني هنا”!
وهذه الظاهرة السلبية تعبير عن حالة الانحطاط الثقافي والمعنوي الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فلم تعد هناك قضايا كبرى تستحوذ على عقول وقلوب هؤلاء الشباب الذي يعاني من الفراغ، فلو كان هناك مشروع جهادي لتحرير المقدسات لتم جذب هؤلاء إليه وتغذيتهم بفكر التضحية والفداء، ولو كان هناك إعلام محترم وأمين وأخلاقي يربي على الفضيلة والقيم وليس إعلامًا ينشر التغريب والخلاعة والمجون لما رأينا هذه الظاهرة البائسة، ولو كانت هناك القدوة الحية والتحصين الديني والأخلاقي لما انحرف هؤلاء المراهقون. (5) ونحن كدعاة هل لاحقنا الشباب وأحسنّا الخِطاب معهم وأشعرناهم أنهم القيمة الحقيقيّة في الأمّة وبسّطنا لهم سبل الهداية وأشغلناهم بالخير كي لا تشغلهم نفوسهم بالشر؟! وهل أمَّنا لهم القدوة الصالحة التي تجذب للدين ولا تنفِّر منه؟ وهل قمنا بحملات للتوعية من هؤلاء ولهؤلاء؟! وحين وصل بنا الأمر لوجود مثل الإيمو في مجتمعاتنا فهل سعينا لإرشادهم وهدايتهم وتعريفهم بالعقل والعاطفة ما هم سائرون إليه ومحاولة انتشالهم من الضياع والفساد الذين ينغمسون فيه؟! وكحركات إسلاميّة وشبابيّة واعية هل نظّمنا الدورات الجذّابة لتوعية الشباب وإعانتهم على تحديد الأهداف وتنمية القدرات وقيادة الذات وتقدير العقل والوقت؟! المسؤولية مشتركة بين الجميع: أهل وعلماء ومدارس وحكومات وإعلام وجمعيات لنصل بشبابنا إلى برٍّ آمِنٍ يحميهم من أنفسهم قبل غيرها..
....................................................... "1" حديث صحيح – رواه البخارى ** تقرير و بحث قامت به إشراقة أون لاين التسميات: معاً ضد الإباحية |